حفيظ دراجي: الحب والخير سينتصران على الكراهية والشر!
بطولة كأس العرب فيفا 2021 كانت مناسبة كبيرة برهنت من خلالها قطر على جاهزيتها الكبيرة لاحتضان مونديال 2022، وتميزها الفريد في تنظيم الأحداث الكبرى، وإعطاء صورة جميلة عن الإنسان العربي وقدرته على صناعة الحدث والاستمتاع به، وكانت فرصة للاعبين والمدربين العرب لإثبات قدراتهم المهارية، ومناسبة للجماهير العربية التي حضرت العرس كي تثبت أنها تتحلى بروح رياضية عالية وتعرف كيف تتجاوب، فتفرح وتتحسر لنتائج منتخباتها مثل كل الناس من دون أن تتجاوز حدودها، فكانت بوادر خير تحمل كثيرا من الحب والاحترام، لكن في المقابل وبعيدا عن قطر والميادين والمدرجات، طغت على سطح بعض المنابر الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي في وطننا العربي مظاهر شر وكراهية وغل وحقد دفين، ممزوجة بتعصب كبير ناتج عن تراكمات سياسية وأيديولوجية وحتى نفسية واجتماعية ممتدة عبر التاريخ!
كل شيء كان جميلا في حفل الافتتاح، وأجمل كانت مباريات الدور الأول التي أكدت فيها الجزائر وتونس وقطر ومصر والمغرب جدارتها في المنافسة على اللقب من خلال تميز منتخباتها، وحتى مباريات الجزائر ومصر، ومصر مع السودان، وفلسطين مع الأردن كانت قمة في الروح الرياضية بين الجماهير والتنافسية بين اللاعبين، لكن مع ارتفاع حمى المنافسة في دور خروج المغلوب بدأ الشحن والتهييج، وارتفعت درجة التعصب ومشاعر الاحتقان في بعض الأوساط الاعلامية والجماهيرية خاصة في دول شمال أفريقيا لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية، وأخرى كانت خفية قبل أن تظهر للعيان في أول اختبار من نوعه بين المنتخبات العربية التي لم تكن تلتقي معاً بانتظام، حتى أن المنافسة لم تعد دورية تجري بانتظام، وعندما تنظم تغيب عنها عديد المنتخبات.
مباراة المغرب والجزائر في ربع النهائي كانت أكثر المواجهات احتقانا في الأوساط الاعلامية والجماهيرية رغم أنها كانت مثالية وجميلة فوق أرضية الميدان بين اللاعبين، لكن التراكمات السياسية الناتجة عن توتر العلاقات بين البلدين، والشحن الاعلامي وتراشق الجماهير في وسائل التواصل الاجتماعي كشف عن غل كبير صار يسكن بعض النفوس والعقول، بما في ذلك في أوساط الجيل الصاعد من أبناء الشعبين، لدرجة لم يعد الفائز يكتفي بالابتهاج بفوزه، بل تعداه الى الشماتة في المنافس، ولم يعد الخاسر يكتفي بالأسف والحسرة على أداء فريقه، بل تعداه الى التهكم على الفائز وابداء مشاعر الحقد والكراهية ضده، وبالتالي التراشق بالمنشورات والصور، وبكل أشكال قلة الأدب، لدرجة غريبة سيكون لها تأثيرات على مستقبل المواجهات الرياضية بين المنتخبين.
لقاء تونس مصر في نصف النهائي، بقدر ما كان مثيرا فوق أرضية الميدان بين اللاعبين، بقدر ما خلف تداعيات مشينة وتراشق كبير في الأوساط الاعلامية الجماهيرية مقارنة بمواجهات سابقة كانت تجمع بين أندية ومنتخبات تونسية ومصرية، تتميز بالندية والتنافسية، لكنها لم تكن تتجاوز حدود الأدب والأخلاق والاحترام المتبادل الذي غاب هذه المرة، مثلما غاب عن المواجهة النهائية بين تونس والجزائر بسبب الحساسية الزائدة عن اللزوم وعدم تقبل الاعلاميين والجماهير لأمور بسيطة لم تكن مثيرة للاستفزاز في وقت سابق، لكنها خلفت هذه المرة آثارا في النفوس، بل كشفت أن القلوب لم تكن أبدا صافية من قبل، بل كان يشوبها الكثير من النفاق والحقد، والجنوح نحو الشر لأسباب سياسية وتاريخية، وعقد نفسية هنا وهناك.
ربما فعلت وسائل التواصل الاجتماعي فعلتها من خلال مواقع وصفحات لا مسؤولة، ينتمي بعضها الى جيوش الذباب الالكتروني، وربما هو واقعنا اليوم الذي تشوبه الكثير من الأحقاد والعقد والأمراض النفسية، لكن كل هذا لن يحجب الإنجاز القطري الذي أجمع عليه الحاقد والمحب على حد سواء، على أمل أن ينتصر الحب على الكراهية، والخير على الشر مع الوقت.
*عن صحيفة القدس العربي
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :